تركيا واليونان: الحاضر المصاب برواسب الماضي

  • حسين صالحbronzeبواسطة: حسين صالح تاريخ النشر: الثلاثاء، 06 سبتمبر 2022 آخر تحديث: الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022
تركيا واليونان: الحاضر المصاب برواسب الماضي

أطلت التوترات التركية – اليونانية من جديد، وهذه المرة من نافذة تصريحات أطلقها  الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي وجه تحذيرات إلى أثينا من مغبة انتهاك المجال الجوي فوق بحر إيجه، واتهمها  باحتلال جزر منزوعة السلاح فيه، ولوّح بالتالي باستعداد بلاده "لفعل ما يلزم عندما يحين الوقت المناسب"، واستذكر التاريخ بين البلدين، قائلاً: "على اليونان أن لا تنسى إزمير"، في إشارة إلى الانتصار التركي الذي تحقق في إحدى حقب القرن التاسع عشر.

الصراع التركي - اليوناني

في تلك الحقبة، وتحديداً في العام 1919، وصل القائد العام للجيش خلال حرب الاستقلال التركية مصطفى كمال أتاتورك، إلى ميناء سامسون حيث أعلن بدء النضال الوطني التركي ، مؤكداً رفضه الاستسلام لـ"الاحتلال" اليوناني في إزمير، حتى  حررها، وتابع الزحف نحو باقي الأراضي "المحتلة"، ونجح في طرد الجيش اليوناني من الأناضول، وأعلن  قيام الجمهورية التركية الحديثة يوم 29 أكتوبر/تشرين الثاني العام 1923.

قبل هذا التاريخ، وقعت مشاكل بين الدولتين منذ الحرب التي بدأت في العام 1919 وانتهت في 1922، إذ استُهلّت الحملة اليونانية بتشجيع من الحلفاء الغربيين، الذين وعدوا أثينا بمكاسب إقليمية على حساب الدولة العثمانية، لكن المعارك انتهت بتخلي اليونان عن كل الأراضي التي اكتسبتها خلال الحملة، والعودة إلى حدود ما قبل الحرب. ووقعت منذ ذلك الحين نزاعات تتعلق بتسليح أثينا جزر بحر إيجه، والمجال الجوي، والحدود البحرية، والمسألة القبرصية وغيرها.

"الناتو" وتركيا واليونان

ولعل المفارقة الملفتة للانتباه، أن تركيا واليونان تنتميان إلى حلف شمال الأطلسي، الذي يتعامل معهما بحساسية نظراً للعلاقة المتوترة بين الجانبين. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ  بعض أعضاء "الناتو"، كالولايات المتحدة وفرنسا، ينجرفون نحو اليونان للضغط على تركيا، بسبب خياراتها الجيو-سياسية المتمايزة عن الدول الغربية. ولكن هذه الدول تمارس في الوقت نفسه ما يبدو أنه سياسة العصا والجزرة، فتسعى إلى تهدئة خواطر أنقرة، التي تلعب دور بيضة القبان في الصراع الجيو-سياسي بين روسيا والغرب. وبدا ذلك جلياً في الحرب بين موسكو وكييف، والتي اضطلعت فيها تركيا بدور الوسيط ممتنعة عن السير في رَكْب مواقف الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا.

ليونة الغرب تجاه أنقرة

ويزداد قلق اليونانيين من ليونة موقف الغرب تجاه تركيا، لأنهم يعتبرون أن أعضاء "الناتو" سيكونون أقل استعداداً للمخاطرة في تحدي حليفٍ ذي قيمة استراتيجية كبيرة من أجل حليف آخر لا يمتلك القيمة نفسها. أما من وجهة نظر أردوغان، فلا يمكن تصور "ناتو" بدون تركيا، وأن الحلف ليس قوياً بدونها، كما يستخف بوزن اليونان فيه.

شراكة عسكرية مع أثينا

تلك الليونة تجاه أنقرة، لم تحُلْ دون تعميق واشنطن وباريس في السنوات الأخيرة، شراكتهما العسكرية مع اليونان، مستغلتين حاجة الأخيرة إلى دعم غربي لتقوية موقفها العسكري والسياسي لنزاعها مع تركيا. ولا تخفي أنقرة موقفها المتحسس من هذا  الدعم، ومن الوجود العسكري الأميركي المتزايد على الحدود التركية – اليونانية.

في ظل هذه المشهدية المعقدة، تتزايد المخاوف اليوم من ارتفاع وتيرة التحذيرات المنطلقة من الجانب التركي إلى الجار اليوناني، فهل نشهد حرباً جديدة بين حلفاء "الناتو" في المنطقة؟